٣ تحديات تواجه فرق الشركات الناشئة (وكيف تتجاوزها)
"ما يُقاس يتحسّن."
الفرق بين شركة تنمو وشركة تدور في حلقة مفرغة ليس الفكرة فقط، وليس حتى المنتج — بل قدرتها على تشغيل العمليات بكفاءة وقياس ما يحدث بدقة.
هذه نقطة يغفلها كثير من المؤسسين: النجاح في الشركات الناشئة ليس في الفكرة ولا في البناء فقط، بل في التشغيل. يمكنك امتلاك أفضل فكرة وأقوى منتج، لكن بدون فريق يعمل بانسجام وعمليات واضحة، ستجد نفسك عالقًا.
من خلال عملي مع فرق ناشئة متعددة، لاحظت أن معظمها يتشارك نفس الظروف: طاقة عالية، موارد محدودة، سوق لا ينتظر أحدًا. وفي هذه البيئة تحديدًا، تبرز ثلاثة تحديات تحدد مصير الفريق.
التحدي الأول: الفريق يعمل بلا بوصلة
الطموح موجود، الحماس موجود، لكن الرؤية لا تترجم إلى مسار واضح. الجميع مشغول، لكن لا أحد متأكد أن هذا الانشغال يقرّبهم من الهدف.
العلامات واضحة: اجتماعات تنتهي بأسئلة أكثر من القرارات، أولويات تتغير كل أسبوع، وشعور دائم بأن "الأمور ستتضح لاحقًا".
كيف تتجاوز هذا؟
ابدأ بتحديد ثلاثة أهداف فقط لكل ربع سنة. ليس خمسة، ليس عشرة — ثلاثة. كل مهمة يعمل عليها الفريق يجب أن تخدم أحد هذه الأهداف مباشرة. إذا لم تستطع ربط المهمة بهدف واضح، أعد النظر في أولويتها.
القاعدة العملية: ٧٠٪ من وقت الفريق يذهب للمنتج الأساسي. الباقي للتجارب والمهام الجانبية. وراجع هذه الأولويات أسبوعيًا — لأن الظروف في الشركات الناشئة تتغير بسرعة.
التحدي الثاني: الكل مشغول، لا أحد ينجز
الاجتماعات تملأ التقويم. الرسائل لا تتوقف. المهام تتراكم في قوائم الانتظار. لكن عندما تسأل: ماذا أنجزنا هذا الأسبوع؟ الإجابة محبطة.
هذا ليس كسلًا — هذا خلل في إدارة التدفق. الفريق يبدأ مهام كثيرة ولا يُنهي إلا القليل.
كيف تتجاوز هذا؟
راقب مؤشرين بسيطين: الأول هو الوقت من بداية المهمة حتى اكتمالها (Cycle Time)، والثاني هو عدد المهام المكتملة في فترة معينة (Throughput). هذان الرقمان يكشفان الحقيقة بعيدًا عن الانطباعات.
ثم ضع حدًا أقصى للمهام المفتوحة في نفس الوقت (WIP Limits). عندما يعمل كل شخص على ثلاث مهام متوازية، لا ينتهي أي منها بسرعة. التركيز على إنهاء القليل أفضل من البدء في الكثير.
وأعد تصميم الاجتماعات: الاجتماع اليومي القصير هدفه إزالة العوائق، لا استعراض ما أنجزه كل شخص. الفرق بين الاثنين كبير.
التحدي الثالث: فريق يركض بسرعة... في نفس المكان
السرعة مغرية. "نبني الآن، نصلح لاحقًا" تبدو استراتيجية معقولة تحت الضغط. لكن بدون توقف للتعلم، تتكرر نفس الأخطاء.
لا توثيق للقرارات الكبيرة. لا مراجعة لما نجح وما فشل. المعرفة محصورة في رؤوس الأفراد. وعندما يغادر أحدهم، تغادر معه.
كيف تتجاوز هذا؟
خصص ساعة كل أسبوعين للمراجعة: ماذا سار بشكل جيد؟ ماذا يمكن تحسينه؟ ماذا نتوقف عن فعله؟ هذه الأسئلة الثلاثة كافية.
وثّق القرارات المهمة — ليس بتقارير طويلة، بل بملاحظات سريعة تشرح "لماذا" اتخذنا هذا القرار. هذا التوثيق البسيط يوفر أسابيع من الجدل لاحقًا.
ابنِ قراراتك على بيانات حقيقية. الحدس مفيد، لكنه ليس بديلًا عن الأرقام.
التشغيل هو الميدان الحقيقي
الأفكار الجيدة متوفرة. بناء منتج أولي أصبح أسهل من أي وقت مضى. لكن الفارق يظهر في التشغيل اليومي: كيف يتواصل الفريق؟ كيف تُتخذ القرارات؟ كيف تتحول الخطط إلى نتائج؟
الشركات التي تنجح ليست بالضرورة صاحبة أفضل فكرة — بل صاحبة أفضل تنفيذ. وأفضل تنفيذ يأتي من فريق يعرف أين يتجه، ينجز بتركيز، ويتعلم باستمرار.
الخلاصة
رحلة الشركات الناشئة تحتاج أكثر من فكرة جيدة ومنتج قوي. تحتاج فريقًا يعمل بوضوح، يقيس تقدمه، ويبني ثقافة تعلم حقيقية.
الأفكار العظيمة لا تفشل لأنها سيئة، بل لأن الفريق لم يستطع تحويلها إلى واقع يعمل.
تذكّر: لا ينتصر من يملك أفضل فكرة، بل من يُشغّلها بأفضل طريقة.